«إن التنور ساعد على ترسيخ منظومة التعاون و العمل
الجماعي، فبعد أن يعجن الطحين في المعجن سواء كان معجن
فخاري أو معدني كانت المرأة تقطع العجين بيديها إلى قطع
صغيرة مكورة تضعها في مئزر خاص يحمل على طبق منسوجة
من سنابل القمح، ثم ترفعها على رأسها متوجهة إلى التنور
حيث تجتمع النسوة و صباياها حول التنور وعقب هدوء النار
وارتفاع درجة حرارة جدرانه يبدأ العمل الجماعي المنسق،
فتتعاون النسوة على الخبز ترقيداً و تفتيحاً و تكبيراً و لصقاً
بالتنور فتجثو إحداهن على المصطبة لترقيد أقراص العجين و
ترقيقها على خشبة مدورة تحضر مع الطبق إلى التنور ويكون
حجمها بحجم رغيف الخبز و تصنع خصيصاً لهذا الغرض، ثم
تختص أخرى بتلويح الرغيف أمام التنور ليصير دائرياً متسعاً
باستخدام الكارة، وهي قطعة قماشية كبيرة و مدورة تشبه
الرغيف و عادة ما تحشى من الداخل بلباد صوفي لتبلغ سماكة
معينة ومن ثم يوضع الخبز في المخمر ليبقى ساخنا».
شوي الخبز داخل التنور
«فقد كان يبنى التنور سابقاً في مكان قريب من منازل السكن
كأن يتوسط الحارة بحيث لا يكون ملاصقاً للبيوت فيؤذي الدخان
المتصاعد من الأغصان المحرقة العيون ثم أصبح تقريبا في
جميع البيوت، وان هندسة التنور و طريقة بنائه هي عملية
دقيقة جداً تعتمد على حجمه وعلى المادة الأساسية التي يبنى
منها رغم وجود قواعد عامة و مواد أولية ضرورية لتعميره،
وهذه المواد متوافرة في كل بيئتنا الفراتية، وفي كل بيئة قروية
حيث يأتي التراب في مقدمتها إلى جانب قطع صغيرة من
الفخار، و كميات قليلة من الرمل والملح والقطن و شعر الماعز
أو صوف الغنم».
«إن أولى مراحل البناء هي الغربلة حيث يوضع غربال أو سرد
أو قالب دائري مشابه في المكان المختار للبناء ثم ترصف
المواد الأخرى حول هذا القالب ليعمر قعر التنور، و يتوجب أن
يقل قطره عن قطر الفوهة العلوية وعن محيط المنطقة الوسطى
من جسمه الأسطواني المحدب، الذي يستكمل بناؤه بعد إتمام
القعر بحيث تزيد سماكته عن العشرين سنتمترا تتناقص في
تدرج الجسم نحو الأعلى و الأسفل».
«إن بناء الفوهة العلوية يستلزم انحناءها نحو الأمام و ذلك
حتى لا تخرج ألسنة اللهب الصاعدة عمودياً من الفوهة ويتسنى
لها الاصطدام بجسم التنور لتسخينه بدرجة كافية لإنضاج
الخبز، أما اتساع قطر التنور من الوسط فذلك ليتسع للرغيف فلا
يلصق قريباً من القعر و يحترق بالجمر المشتعل أو يتسخ
بالرماد مشيراً إلى أن المراحل اللاحقة من بناء التنور تتطلب
ملاحق عدة تحيط بالتنور من جهته الخلفية و فق تشكيل معين
و تتضمن مساحة تتسع لمزيد من النسوة الخبازات حيث كانت
"دير الزور" قديما لا تأكل الخبز