فيضة البوعبار

جرت احداث هذه القصة في دير الزور في وقت مضى وتتحدث بأنه :

كان لنهر الفرات العظيم غضبه السنوي وكان هذا الغضب

في شهر نيسان من كل عام وذلك قبل بناء سد الفرات

، وهذا الغضب لا يخلو من منافع يجلبها الفيضان إلى الأراضي

من طمي جديد يترسب على ضفاف النهر على

إمتداده مما يكثر من خصوبة الأرض إلا أن أضراره

الكبيرة التي كانت تنصب على الأهالي والمزروعات

والبيوت المدمرة وقد عاني منها الناس الكثير الكثير ،

وهذا الغضب أحياناً يأتي بسيطاً دون آثار كبيرة إلا أن فيضان

سنة 1929 ميلادية لم يسبق للفرات أن غضب كما غضب

في هذا العام ولا حتى في السنوات اللاحقة

فكان غضباً شديداً وسميت السنة بإسمه ( سنة الفيضة )

حتى أن مواليد هذا العام في الدير نسبت إليه فقيل أن فلان أو فلانة

ولد أو ولدت في عام الفيضة وهي عادة

أن تنسب الولادات إلى أحداث مشهورة حدثت .

وهنا تحضرني طرفة كثير من الناس في بلدي يعرفونها

فقد حدث أن شخصاً قد أحدث حدثاً في يوم من الأيام ولشدة

خجله رحل عن البلد ، ومضى على رحيله عشرون

عاماً تقريباً عاد بعدها إلى البلد وقبل دخوله إلى المدينة

نزل إلى النهر ليغسل يديه ووجهه من عناء السفر الطويل .

..، وقتها كانت فتاتان تملآن الماء من النهر وأختلفتا على

عمر أخت لإحداهما فردت الأخرى وقالت :

أن أختك ولدت في ( سنة أبو ضرطة ) .

سمع الرجل ما قالته الفتاة وتأكد أن ماحدث منذ عشرون

عام لم ينس بل أصبح تاريخاً وثق به الناس مواليدهم ..

عاد الرجل أدراجه ولم يدخل المدينة .

أعود إلى سنة الفيضة التي أطلق عليها ( فيضة أبو عبار )

وأبو عبار هذا الرجل من أهالي دير الزور وكان يروى

عنه أنه ماهر في السباحة إلا إنه غرق وقضى نحبه في هذه الفيضة .

غرق في هذا الفيضان العظيم ، وكما قلت وكما روى ممن

يعرفون الرجل معرفة تامة إنه ماهر في السباحة ومع

ذلك فقد غرق فكم كان هذا الفيضان كبيراً حتى غرق سباح شهد له جميع

أهل البلد بمهارته وقدرته على السباحة وقيل أنه أنقذ الكثير من الغرقى .

أما الفيضان وشكله كما رواه شهود عيان ما زالوا على قيد الحياة

، قال أحدهم واصفاً هذا الفيضان :

أنه كان فرع الفرات الجنوبي ( الأعيور )

كما يسميه أهل البلد والجسر المعلق لم يكن قد أنجز بناءه بعد ...

وأن المياه في الفرعين أثناء الفيضان قد اختلطت أي أن ( الحويقة )

قد غرقت وأن ماء الفيضان قد غمر كل بساتين ( الحويقة )

، وقد رحل قسم كبير من أهل دير العتيق المطلة بيوتهم على النهر ...

وذكر لي أن الماء قد وصلت إلى قرنة حج فاضل المرتفعة

عن منسوب النهر كثيراً

، كما أنه من الناحية الشمالية وصلت المياه إلى منطقة ا

لمعامل الحالية ( السبعة كيلو متر )

، كما أن معظم ( السدات ) على النهر قد كسرت وأن أضراراً كبيرة

قد لحقت بالسكان والمزروعات وغرق الكثير

من الأهالي في المدينة والقرى الواقعة

على النهر كما روي أنه قد وصل أجر نقل الناس بواسطة المعابر المائية أو حملاً

على الأكتاف وكان هناك أناس مختصون بعملية النقل هذه وأن أجرهم العادي في الأيام ا

لعادية كان لا يتعدى نصف قرش إلا أن هذا الأجر أصبح في يوم الفيضان ليرة

ذهبية عن كل شخص ، وهو مبلغ كبير وكبير جداً بالقياس للأجر السابق والعادي من

جهة ومن جهة أخرى بالنسبة للوضع المعيشي لأهل الدير في ذلك الحين .

أحاديث كثيرة وكثيرة رويت منها ماهو حقيقي عن بطولات لأشخاص قاموا بهذه البطولات ..

وكذلك ألفت قصص كثيرة منها الصادق والحقيقي ومنها الخيالي والتي ظلت

لسنوات بعد عام الفيضة أحاديث أمسيات دواوين الدير ...