"ثابت الدبس" وذكرياتٌ لا تنسى فريد موسى الاثنين 04 كانون الثاني 2010من السهل علينا الكتابة عن شخصيةٍ فنية أو أدبية دون عناء؛ وليس من الصعوبةِ أيضاً تَدوين قصة حياة رجلٍ شهير قضى نصف عمره مُتجوّلاً في أصقاع الأرض، لكن عند مجرد التفكير في معرفة بعض الأمور عن شخصية مجاهدٍ عاش في زمنٍ غير زماننا؛ نكون قد عُدنا بالزمن إلى الوراء سنين طويلة. وحتماً سنكون بحاجةٍ إلى أناسٍ عاصروا تلك الشخصية أو سمعوا عنها ليرووا لنا ما احتفظوا به في ذاكرتهم، فالحاج "صبحي الدبس" الذي التقينا معه في "البوكمال" بتاريخ 18/12/2009م لا يزال يتذكر بعض الشيء عن المجاهد الحاج "ثابت عجيل الدبس" الذي قضى جل حياته في حمل السلاح، وعن هذه الملامح تحدّث قائلاً: «ولد "ثابت الدبس" عام /1896/م في مدينة "البوكمال" ينتمي إلى عائلةٍ غنية ومالكة أباً عن جد، ولا يزال الناس إلى يومنا هذا يتناقلون الحديث عن الديوان الذي كان يملكه والده ، إذ كان مقصداً لكل مسافرٍ ومحتاج؛ فأعداد الضيوف الذين كانوا يجتمعون عنده في اليوم الواحد يصل إلى نحو /200/ شخص، يُقدم للجميع الطعام والشراب في وقتٍ واحد.
لم يكن "ثابت الدبس" مكترثاً بالأمور المادية وجمع الأموال بقدر ما كان مهتماً بالمعنى الحقيقي للرجولة، فقد اتصف منذ المراحل الأولى من فترة الشباب بالقوة والشجاعة والصلابة؛ وتميّز عن أقرانه بالأخلاق الحسنة ومبادئه التي لا يتنازل عنها أبداً». وأضاف الحاج "صبحي" قائلاً: «شارك في العديد من المعارك مع الثوار ضد القوات الإنكليزية في |
الحاج "صبحي الدبس" |
العراق في فترة الخمسينيات وكان
من المقربين للثائر "فوزي القاوقجي"
وخاصة عندما عادوا من العراق إلى سورية
مروراً بمدينة "البوكمال" حيث اختبؤوا في
أحد بساتينها يوماً كاملاً خشيةً من القوات الفرنسية
التي وصلتهم أخبارٌ عن عبور بعض المجاهدين
إلى المنطقة، ولا يزال هذا البستان موجوداً حتى الآن.
كان "ثابت" غيّوراً على قوميته العربية؛ فانتابه الألم
عندما سمع بالمجازر الوحشية بحق الشعب الفلسطيني؛
لذلك انضم إلى قوافل المتطوّعين للقتال في فلسطين وكان يمضي
هناك فترة من الزمن تصل إلى شهرين أحياناً ثم يعود إلى أهله؛
وبعد إجازةٍ قصيرة يأخذ كمية من المال له ولرفاقه ثم يمتطي
صهوة جواده ويعود مرةً ثانية لمتابعة الجهاد، هكذا حتى بلغ به الكِبر
وأقعده رغماً عنه، تمنى "ثابت" أن يموت شهيداً؛ لكنه فارق الحياة
وهو مستلق في الفراش عام /1991/م عن عمرٍ تجاوز قرناً من الزمن».
الأستاذ "حميد السيد رمضان" الباحث التاريخي؛ قال:
«بحسب المعلومات التي حصلت عليها عن المجاهد "ثابت عجيل الدبس"
ومن خلال لقائي معه شخصياً قبل أن يفارق الحياة؛
استطعت جمع هذه المعلومات وتوثيقها في
|
وثيقة خاصة بالمُتطوّعين في جيش الإنقاذ |
كتابٍ خاصٍ بتاريخ مدينة "البوكمال"،
فـالحاج "ثابت الدبس" كان رجلاً معروفاً
بالشجاعة وقوة العزيمة؛ وأبرز أعماله
البطولية التي قام بها هو تطوعه في جيش
إنقاذ فلسطين إضافةً إلى التحاقه بالثائر
"فوزي القاوقجي" لقتال الإنكليز
. فعند قيام ثورة "رشيد عالي الكيلاني" سنة /1941/م في العراق ضد
الاحتلال الإنكليزي التحق "فوزي القاوقجي" لدعمها؛ حينها انتشرت
أخبار تلك الثورة في جميع أنحاء سورية وعلى أثر ذلك اجتمع عددٌ
من المتطوعين ودعوا إلى الجهاد لدعمها؛ وقد كانت مدينة "البوكمال
" نقطة التجمع والدخول بعد ذلك إلى الأراضي العراقية، وكان "ثابت الدبس"
ضمن تلك المجموعة التي اتجهت إلى العراق فعندما علِم "القاوقجي" بمجيئهم؛
أمر بتسليمهم أسلحة وذخيرة فكان "ثابت" هو الذي استلم تلك الأسلحة
وهي عبارة عن /37/ بندقية و/8/ صناديق ذخيرة؛ إضافةً إلى سيارة شاحنة،
وخلال وجودهم في العراق استطاعوا تحقيق عدة انتصارات
على القوات الإنكليزية وتكبيدهم خسائر مادية وبشرية».
وتابع الأستاذ "رمضان" حديثه؛ قائلاً:
«أما عن مشاركته وتطوعه في جيش إنقاذ
"فلسطين" فبدأت أثناء وجوده في "دمشق"
عام /1946/ (كما قال لي قبل وفاته) فخلال إقامته
|
الحاج "ثابت عجيل الدبس" أثناء وجوده في "القدس" |
في أحد الفنادق اجتمع مع بعض اللاجئين
الفلسطينيين وبعد أن سمع منهم سوء الأحوال
وجرائم اليهود في فلسطين قرر التطوع مع الثوار؛
حيث سافر إلى مدينة "حمص" واشترى بندقية
ثم سجل اسمه مع أسماء المتطوعين
؛ وفي اليوم الثاني اتجه مع مجموعة من الثوار إلى "عمان"
ومنها إلى "القدس" وبذلك استطيع القول
بأنه سجل اسمه في التاريخ بكل جدارة».