الصيد بالخيط في الفرات

هواية الصيد بالخيط.. النموذج الفراتي
الثلاثاء 10 تشرين الثاني 2009




هواية جميلة، تعد مثالاً للعلاقة الصحيحة بين الإنسان والبيئة، لما تتسم به من أخلاقيات تميزها، ولأنها كذلك فهي لا تضر بالأحياء الموجودة في النهر كماً أو نوعاً، إضافة إلى أنها أحد أشكال تعبير أهل الفرات عن علاقتهم بهذا النهر العظيم، فكأنهم لا يجلسون للصيد فقط إنما لتأمل هذه الطبيعة الساحرة، والسكينة تحت ظلال خضرتها.





eSyria زار النهر وكان له مع بعض صيادي الخيط (الصنارة) هذه اللقاءات:

"عماد داموك" شاب من مواليد 1983، درس فقط المرحلة الابتدائية، وهو عاطل عن العمل.

* متى بدأت هوايتك هذه؟ وما أفضل الأوقات للصيد؟

** أمارس هذه الهواية منذ ثماني سنوات، وأفضل أوقات الصيد تكون في الصيف وفي شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، أما أفضل وقت ضمن اليوم فهو فترة الظهيرة، لأن نشاط الأسماك يكون أكبر، ويقل الصيد شتاءً لكن حجم الأسماك المصطادة يكون أكبر.

* حبذا لو تعطينا نظرة وافية عن "الصيد بالخيط"؟

** "الصيد بالخيط"، ويسمى الصيد بالبكرة إذا كان الخيط ملفوفاً على بكرة، ويسمى "الصيد بالبلوع" إذا كان خيط الصيد ملفوفاً على قطعة خشب أو عود قصب كبير، وهناك عدة قياسات للخيط، ويمكن أن نستخدم "النتالة" (الخطاف) وهي إما أن نصنعها بأنفسنا أو أن يكون في العصا عود من القصب، وتكون "صنارة" جاهزة، و"الصيد بالنتالة" ممكن أن يعطي أسماكاً كبيرة أو صغيرة حسب حجم "الخطاف" المستخدم، ويجب أن يكون المكان هادئاً كي لا يهرب "السمك"، ويفضل أن يجلس الصياد بمفرده.

وبالنسبة "للطعوم" فهي: الذرة اليابسة نطعّم بها "الردة" (الخليج الصغير على شاطئ النهر، ويسمى "الردة" أو "المطعم")، ويسمى نثر أو وضع العلف للأسماك "بالتطعيم" فيقال فلان "يطعّم الردة"، كما نستخدم حبات "عرانيس الذرة" الجديدة، ويمكن أن نعجن "الخبز" بالماء

"عبد الله سلمان محمد" مع ابنه

لكي نستخدم هذا العجين كطُعُم ضمن "الخطاف".

* أرك تحضر "شاي" وبعض المأكولات، هل تعتبر نفسك في عمل أم في نزهة؟

** حبي للطبيعة الفراتية هو الدافع الأساسي لمجيئي للصيد، فالدير من دون الفرات تفقد معناها، وأنا آتي لأتنزه أكثر مما آتي لأعمل.

"صياد الخيط" "عبد الله سلمان محمد- أبو نجم" شرطي متقاعد، أجاب على سؤالنا: متى بدأ ولعك بالصيد؟ وهل الغلة كبيرة من الأسماك المصطادة؟ قائلاً: «أمارس هذه الهواية منذ 40 سنة، وأكثر ما جذبني لها هو المتعة التي فيها، وأصطاد يومياً ساعتين، أما عن أكبر غلة اصطدتها فكانت12 كغ من السمك، وأكبر سمكة كانت 4 كغ، وقد تراجعت الغلة المصطادة منذ عام 1995 لأكثر من ثمانين بالمئة، إذ كنا نصطاد أحياناً خلال الساعة الواحدة من 5 إلى 10 كغ».

وعن المشاكل التي تعاني منها هذه الهواية كان لموقعنا وقفة مع الصياد "عبد الكريم أحمد رمضان" الذي قال لنا: « نشكو من الصيد الجائر الذي تستخدم فيه الكهرباء والديناميت والسم، لأنه لولا هذا الصيد لكان دخلي اليومي من السمك يتجاوز 1000 ل.س، إذ إن الكهرباء تقتل السمك الكبير والصغير، لأن مافيا الصيد غير القانوني تدمر البيئة النهرية، وتقتل السمك حتى بموسم التكاثر، إذ يكون لهذه العصابات من الصيادين جواسيس منتشرين على مجرى النهر، فيعلمون الصيادين عن قدوم دوريات الثروة السمكية التي تمنع

"عبد الكريم أحمد رمضان" ينثر بذور الذرة كطعم للسمك

هذا الصيد الجائر، مما يحول دون الإمساك بهم وتسليمهم للعدالة، لذا نتمنى أن تصدر قوانين تشدد العقوبة على من يقوم بالصيد الجائر».

وممن جاور النهر "مهند العلوش" تحدث عن هذه الهواية فقال: «أنا من مواليد 1985، ولم أكمل تعليمي درست فقط المرحلة الابتدائية، وأنا أعبر النهر سباحة منذ أن كنت في الصف الأول، ومنذ ذلك الحين أصيد مع والدي، فهو صياد خيط قديم، ومجاورتنا للنهر تساعنا جداً في ممارسة هذه الهواية».

كذلك التقنا والد "مهند" السيد "عبد الحكيم العلوش" الذي تابع ما ابتدأه ابنه بقوله: «أنا أصطاد بالخيط منذ اكثر من 30 عاماً، وأفعل ذلك للمتعة، ويساعدني كثيراً أن مكان الصيد مقابل بيتي، إذ إنني أستطيع أن أترك الصنارة أو "البلّوع" مثبتاً على الشاطئ لليوم الثاني وتسمى هذه العملية عند الصيادين "التبييت"، أما عندما أرغب باصطياد كميات من السمك فأقوم حينها "بالتجريف"، ويتم باستخدام شبك صيد يجره قارب بمجاذيف ويستمر لساعتين أو أكثر، وتعطي كل "طوفة" من 3 إلى 10 كغ».

وسألنا صياد الخيط "مالك المحمد"، عن أخلاقيات هذه الهواية فقال لنا: «هناك آداب لهذه الهواية تجعلها هواية إنسانية راقية، كعدم جلوس صياد مكان آخر في حال قدومه إلى مكانه المعتاد على النهر، إذ إن لكل صياد مكانه الخاص به إذا كان من الذين يرتادون النهر بكثرة للصيد. كما تحتاج هذه الهواية للهدوء

"عماد داموك" يجلس لصيد السمك في الردة

لكي يتم الصيد ولا يهرب السمك، فهي لا تشكل ضوضاء تؤذي الأحياء سواء بالماء أو على الشاطئ. وصياد الخيط يقوم بتنظيف المنطقة من الشاطئ التي يصيد فيها من الأعشاب والأوساخ ما يعطي جمالية اكثر للنهر وليسهل عليه الصيد أيضاً، ويقوم بإرجاع السمك الصغير أو الذي يكون في حالة "تبويض" إلى النهر حرصاً على الثروة السمكية فيه. وعند رش الطُعُم لا يخلطه بمواد سامة أو مؤذية للبيئة النهرية. وقلة كمية الأسماك المصطادة بالخيط يجعلها هواية آمنة، ولا تضر بكمية السمك وتنوعه في النهر».